تاريخسلايد 1

متاحف الشارقة.. مدارس الأجيال

«المتاحف وُجدت لتكُون مدرسةً لأبنائنا والأجيال القادمة»، وحدها مقولة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، خير مرشد ودليل لجولتنا عبر تلك الدرة المكنونة والجوهرة المصونة التي تحتضنها الإمارة الباسمة.
هناك فقط بين جدران متاحف العاصمة العالمية للكتاب والسياحة والصحافة العربية والثقافة الإسلامية، تستطيع أن تلتقي التاريخ وجهاً لوجه، تشم رائحة التراث والأصالة، ترصد الطقوس وتتأمل الفكر، وتمتع عينيك بكل ما ينتمي إلى عالم الفنون والثقافة.
جولة نبحر عبرها إلى زمان ومكان آخرين، لننتقل إلى ذكريات عطرة، نتوق إليها من حين إلى آخر، لعلنا نجد فيها محطة نلتقط فيها أنفاسنا من عناء زمن امتلأ بضغوط الحياة اليومية.
ولعل تأسيس إدارة متاحف الشارقة في العام 2006، يعود إلى رؤيةٍ ثاقبة لصاحب السمو حاكم الشارقة تمثلت في الاهتمام بالإنسان منذ الطفولة، وتوفير كل ما من شأنه المساهمة في الوصول إلى مجتمع قوامه إنسان متعلم.
وتغطي متاحف الإمارة معظم أنواع الفنون والثقافة الإسلامية وعلم الآثار والتراث والعلوم والأحياء المائية وتاريخ إمارة الشارقة والمنطقة.
ولعل البداية كانت عند افتتاح متحف الشارقة للحضارة الإسلامية ومربى الشارقة للأحياء المائية في العام 2008، وإعادة افتتاح متحف الشارقة البحري في العام 2009. كما شهدت السنوات الماضية إعادة افتتاح متحف الشارقة للتراث، ومتحف الشارقة للسيارات القديمة، إضافة إلى إكمال أعمال الصيانة والترميم في حصن الشارقة والعمل على تطوير متحف بيت النابودة ومتحف الشارقة العلمي.

روائع فنية

المتحف البحري كان أول من استقبلنا في جولتنا، ذلك الذي يركز على الحياة البحرية التي كانت تشكل جزءاً رئيسياً من تراث الشارقة، حيث لعب البحر دوراً مهماً في تطور المدن الساحلية، ذلك المتحف الذي تستطيع أن تشاهد من خلال زيارته السفن الخشبية التقليدية التي جابت البحار لأغراض الصيد، والغوص بحثاً عن اللؤلؤ، والتجارة، ويمكنك أن تتعرف إلى الأنواع المختلفة من السفن التي تتباين أشكالها تبعاً لطبيعة استخداماتها، بالإضافة إلى اللآلئ المبهرة التي كان الأجداد يجمعونها من أعماق الخليج، والتي ما زالت تتمتع بذاك البهاء الذي أشرقت به منذ لحظة إخراجها من صدفاتها قبل عقود بعيدة.
ومن عوالم البحر إلى فنون الخط ننتقل عبر جولتنا في متحف الخط لنشهد أجمل الروائع الفنية واللوحات المبدعة لكبار الخطاطين والفنانين المحليين والعالميين، ذلك المتحف الذي يحتضن الكثير من المعارض بشكل دوري، ويهدف لإطلاع متذوقي الفنون على روعة وجماليات الخط العربي، كما يتطلع إلى الحفاظ على الإرث الحضاري لهذا الفن والارتقاء بمستواه محلياً وعالمياً وتعريف الزوار بإبداعات الفنانين العرب.
ويخطف حواسك جميعها متحف الشارقة للفنون ذلك الصرح الذي يتيح لك ارتياد واحدة من أكبر قاعات العروض الفنية في منطقة الخليج والتي تحتوي على أعمال فنية لفنانين تركوا بصمات واضحة في عالم الفن العربي والمحلي، وهو الذي يمتد على ثلاثة طوابق تضم الأروقة المخصصة لعرض الإبداعات الفنية ومعروضات ومقتنيات تزيد على 500 عمل فني، من مختلف الأساليب التعبيرية التي تأسر الزائر وتُلهم خياله، هذا بالإضافة إلى مكتبة الفنون التشكيلية التي يحتضنها المتحف والتي تحتوي على أكثر من 4 آلاف عنوان باللغتين العربية والإنجليزية، وبعض اللغات الأخرى.

معلم مهم

عن متحف الحضارة الإسلامية حدث ولا حرج، وهو الذي يعتبر معلماً حضارياً سياحياً مهماً، بل يعد الأول من نوعه في الإمارات، وتتجاوز محتوياته أكثر من خمسة آلاف قطعة فريدة تم جمعها من مختلف أرجاء العالم الإسلامي من مقتنيات الفنون والثقافة الإسلامية، وجرى ترتيب عرضها طبقاً للموضوع في سبعة أروقة فسيحة ومساحات عرض رحبة، هذا بجانب صناديق عرض مميزة للمسكوكات الإسلامية على طول ممراته، تلك التي تستطيع من خلالها التعرف إلى تاريخ العملة الإسلامية ونشأتها في تجربة لا مثيل لها عبر الاقتراب من التاريخ الإسلامي والتعرف إلى مدى اتساع رقعته.
أما متحف الشارقة للآثار فيحتضن كل المكتشفات في إمارة الشارقة، ويتولى حفظها والتعريف بها وعرضها، منذ بدء التنقيبات الأثرية في العام 1973م وحتى الآن.
تلك الحفريات المستمرة التي أثبتت قدم تاريخ الشارقة، وأن مستوطنات وقرى ظهرت على أرضها قبل آلاف السنين، ويمكن التعرف إلى الحضارات التي تعاقبت على المنطقة منذ العصر الحجري إلى يومنا هذا من خلال أدوات الحياة اليومية والمسكوكات والحُلي والأواني الفخارية والأسلحة القديمة، الأجمل هو ما يتيحه المتحف ليجعلك تكتشف الدلائل على علاقة سكان الشارقة بجيرانهم في الجزيرة العربية وصلاتهم مع أهل الحضارات الأخرى، وما نسجوه من علاقات تجارية تمتد من السند شرقاً وحتى جزر البحر الأبيض المتوسط في الغرب، بالإضافة إلى تعرفنا إلى أشكال القبور والبيوت والمدافن الخاصة في تلك الفترة الزمنية من خلال نماذج حية لها.

بيئات الأجداد

متحف الشارقة للتراث نجح بجدارة في أن يمنحنا فكرة واسعة عن البيئات المتنوعة التي اختبرها الأجداد في الإمارات بدءاً من البيئتين البحرية والساحلية إلى الجبلية والزراعية من خلال عرض أسلوب حياتهم وعاداتهم وحرفهم بالإضافة إلى العادات العربية الأصيلة من كرم الضيافة إلى الاحتفالات وعادات الزواج والعلوم ومصادر الرزق، كما تطرق إلى الأمثال والألغاز والقصص الشعبية لتظل وسيلة تسلية للأجيال يتعرفون من خلالها إلى الأجواء الدافئة والمليئة بالحكايات المشوقة.

الحصن

لا يمكن أن نتحدث عن متاحف الشارقة من دون أن نتجول في حصن الشارقة ذلك الصرح التاريخي العريق الذي بني في العام 1823م في منطقة قلب الشارقة ليكون أكبر وأهم مبنى في المدينة، وكان مقراً لحكومة الشارقة وسكناً لعائلة القواسم الحاكمة، وقلعة الحصن عبارة عن مبنى مربع الشكل يتكون من طابقين مع ساحة داخلية كبيرة في الوسط، ويحتوي على ثلاثة أبراج دفاعية، وقد تم بناؤه باستخدام الحجر المرجاني الذي تم جمعه من قاع الخليج العربي، وغطيت جدرانه بمادة الجص الناعمة ذات اللون البني الفاتح جداً، أما الأبواب فقد صنعت من خشب الصاج، واستخدمت أعمدة شجر المنجروف وأجزاء من شجر النخيل.
في أثناء تجوالك في غرف الحصن تشاهد مقتنيات واسعة من الصور والقطع الأثرية وستستكشف نظام العدل الأولي في الإمارة عند زيارتك لسجن المحلوسة، وتتعرف كيف كان الأهالي يصنعون الدبس، وتتعرف إلى الأسلحة واستراتيجيات الدفاع التي استخدمها الشيوخ وحراسهم، وكذلك يتيح المبنى التعرف إلى نمط حياة العائلة الحاكمة.
تحفيز على الابتكار ومن التراث والثقافة إلى العلم، إذ تتفرد الإمارة الباسمة بالمتحف العلمي الذي يقدم عروضاً تفاعلية مصممة للتحفيز على الابتكار والإبداع، حيث يتضمن أكثر من خمسين معرضاً مشوقاً، وتوفر العديد من البرامج والفعاليات الجاذبة للأطفال مشاهدة أروع وأجمل ما ابتدعه عقل الإنسان المفكر من إنجازات وأعمال في المجالات العلمية والتكنولوجية، ومن خلال تلك الزيارة نستطيع أن نعيد اكتشاف قوانين الطبيعة والتعرف إلى العلوم والقيام بالتجارب واكتشاف الديناميكا الهوائية، والفيزياء الحرارية، وعلم وظائف الأعضاء، والمشاركة في تجارب عروض الشحنات الكهربائية، واستطلاع أسرار الفضاء.
جولتنا عبر مكنونات الشارقة تؤكد أهمية المتاحف التاريخية والتراثية وحتى المعنوية، جولة تأكد يقيننا معها بأن تلك المتاحف تشكّل مركزاً للحفظ والدراسات والتأمل في التراث والثقافة والحفاظ على الهوية الثقافية للإمارات.

الخليج

إغلاق