الطقسسلايد 1

أهار جوية تتدفق فوق رؤوس البشر

أصبح مناخ الكوكب متطرفاً بسبب الاحترار المستمر، وازدادت وتيرة الأمطار الغزيرة بالفعل بنسبة 18% كما زادت موجات الحرارة بنسبة 75%، والكتل المضغوطة من بخار الماء والرياح تجوب السماء لآلاف الكيلومترات مع إمكانية عالية للغاية لوقوع كوارث غير مسبوقة.
ولكن ماذا لو كان الجو يخفي لنا شيئًا ما؟ وماذا لو كنا ما زلنا نفتقر إلى آلية أساسية لفهم أهوال الطقس على صعيد الكوكب برمته؟ وماذا لو ظلت الأسباب الحقيقية لأسوأ عواصفنا مخفية دون أن يلاحظها أحد حتى الآن؟
قد تبدو هذه القضايا غير منطقية في العام 2018، سواء كانت فيضانات مأساوية أو رياحاً عاصفة مدمرة، يبدو أن الجناة الرئيسيين معروفون لنا: الأعاصير المدارية أو المنخفضات الكبيرة عند خطوط العرض المعتدلة.
ومع ذلك ومنذ حوالي ثلاث سنوات، تضاعفت الدراسات التي تدعو إلى البحث عن جانٍ آخر تمامًا على نطاق الكوكب. وهو جانٍ يتخذ شكل هياكل أو بنى عملاقة تقوم على نحو سرّي بإطلاق العنان لدرجات حرارة عالية هنا، والتسبب بفيضانات هناك، وبمواسم جفاف في مكان آخر! ولكن ما اسم هذه البنى السرية؟ إنها «الأنهار الجوية»! مصطلح لطيف جدا لوصف هذه الوحوش المحتملة. ولكن هل ثمة أنهار في السماء؟! في الواقع، علينا أن نتخيل وجود ممرات رياح ملأى ببخار الماء شديد الكثافة تمتد على مسافة 400كم تقريبًا عرضاً، وما لا يقل عن 2000كم طولاً، وهي معلقة على ارتفاع يبلغ 1.5كم. ومن البديهي أن نقول إن تسميتها بالأنهار أمر غير منطقي لكن مارتي رالف، مدير مركز الطقس المتطرف الغربي في (جامعة كاليفورنيا) يقول: أظهرت آخر الدراسات أن النهر الجوي له متوسط تدفق يعادل 2.6 مرة تدفق نهر الأمازون عند مصبه «أي ما يعادل حوالي 540.000 متر مكعب من الماء في الثانية، أو 300 مرة قدر تدفق نهر الرون، وهو يتدفق بصمت فوق رؤوسنا إلى أن تأتي بعض العوائق مثل نوع من التضاريس الطبيعية، أو تيار وتقود هذا السيل من البخار فجأة للارتفاع ليبرد، ويتكثف، ثم ليسقط على شكل أمطار طوفانية محتملة.
وتبدو هذه الهياكل الجوية الضخمة حتمية لأي مختص أرصاد جوية يقظ نوعا ما، ومع ذلك فقد أفلتت منهم لفترة طويلة.
ويقول مايكل ديتنجر، مختص المناخ المائي في الوكالة الجيولوجية الأمريكية: على عكس الغيوم، لا توجد هنا مياه سائلة تقريباً، إنه بخار غير مرئي فقط، ويمكنك عبور هذه الممرات الرطبة بالطائرة دون إدراكها.
ويضيف ديتنجر: لقد تم صياغة مصطلح «النهر الجوي» لأول مرة في العام 1998، في مقال لباحثين من معهد ماساتشوستس للتقنية، في ذلك العام بدأنا بتعقب الأقمار الصناعية التي تراقب بخار الماء فوق المحيطات بشكل مستمر، ووجدنا أن هناك دائمًا كتلاً من الرطوبة الشديدة بشكل لا يصدق! ولكن استغرق الأمر عدة سنوات بالنسبة للعلماء حتى استطاعوا حقاً أن يقدروا هذا الاكتشاف حق قدره، ولكن هل هذا يعني أن نطرح ما سبق من أبحاث حول نماذج الطقس في سلة المهملات ؟، في هذا الصدد يذكرنا روبرت فوتار من، مختبر علوم المناخ والبيئة بالقول: ليس حقاً فنحن نعرف أن الغلاف الجوي يميل إلى إنتاج هياكل خيطية حسب ما تتوقعه نظرية الاضطراب، وفي المقابل نجد أن الأنهار الجوية تظهر عندما ينشأ منخفض جوي بالقرب من المناطق المدارية ويتشابك مع حركات الحمل الحراري التي تحدث هناك، والحق يقال أن لا شيء جديدا أو مفاجئا لأخصائيي الأرصاد الجوية، لكن ما أصابنا بالذهول هو إلى أي مدى يصل طول وانتظام هذه الممرات الرطبة، فبعض هذه الأنهار يمكن أن تنتشر من الفلبين إلى الساحل الغربي عابرة المحيط الهادئ ونحن نعمل بجد لفهم الآثار المترتبة عليها، وهذا ليس الأمر الوحيد بل صدرت على الأقل 10 مقالات علمية في العام 2008 حول هذا الموضوع الذي منح المجال لصدور ما يقرب من 300 منشور في العام 2016، وهو العام الذي شهد أول مؤتمر دولي لهذه الظاهرة حتى أن اسم «النهر الجوي» قد أصبح مستخدما منذ الصيف الماضي، في قاموس مصطلحات الجمعية الأمريكية للأرصاد الجــــــوية. والحقيقـــــة أن قيــــــاسات السواتل المتطورة وحملات المراقبة الجوية التي أجريت في السنوات الأخيرة، بدأت بتشكيل ظاهرة ذات أهمية أساسية وبُعد عالمي. وتبين الأرصاد الحالية للسواتل أن هناك 11 نهراً تتدفق في المتوسط بشكل دائم في الغلاف الجوي وتعمل على استخلاص جزء من الرطوبة من المناطق المدارية لتحملها إلى خطوط العرض العليا… وفي بعض الأحيان تصل بها إلى القطب الشمالي أو الجنوبي. ويقول ألكساندر ميجيل راموس، مختص المناخ في جامعة لشبونة: «نعتقد أن هذه الهياكل توفر 90% من بخار الماء المداري إلى نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي».

ماء على الكوكب

وبشكل أكثر تحديدًا، تشكل هذه السيول الجوية جزءًا كبيرًا من الأمطار في العديد من المناطق الساحلية وتمثل هذه الظاهرة حوالي 20 إلى 30% من كميات الأمطار الساقطة في أوروبا الغربية، خاصة في فرنسا والمملكة المتحدة وشبه الجزيرة الإيبيرية، بل إن هناك آثاراً حتى في المناطق الداخلية من القارة، كبولندا على سبيل المثال، وتظهر الأبحاث الحديثة أن هذا التأثير محسوس أيضاً في المناطق الساحلية لجنوب شرق آسيا وجنوب إفريقيا ونيوزيلندا وأستراليا وأنتاركتيكا واسكندنافيا وأجزاء أخرى من العالم. أيضا من جنوب وشمال أمريكا وتصل هذه الحصة من الأمطار الناجمة عن الأنهار الجوية إلى 40 أو حتى 50% في كاليفورنيا، وتبلغ 80% على هيئة تساقط ثلوج في جبال الأنديز الشيلية وهو ما يوضح لنا أنماط هطول الأمطار في القارات الخمس.
ويشير هوميرو بالتان – لوبيز، المتخصص في دورة الماء في المناخ بجامعة أكسفورد إلى أن هذه الأنهار المعلقة تروي الأنهار الأرضية، فقد أظهرت الدراسة التي نشرت في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول، أنها مصدر 22% من الماء الذي يجري على سطح الكوكب. ووفقا لحساباته، يرى الباحث أن بعض الأنهار مثل نهر التيمز في جنوب إنجلترا أو نهر شخيلت في شمال فرنسا، تعتمد في 80% من مياهها على هذه التكوينات الجوية في حين تدين لها أنهار مثل نهر السين أو نهر الراين بـ 50% من تدفقها. وتعتمد أنهار مثل دجلة والفرات، والميسيسيبي، وأمور، وبو، وبارانا أيضا على نفس التكوينات الجوية.
ويقول لوبيز: «وجدنا أن هذه الظواهر كانت تلعب دورا هيدروليكيا قويا جدا في جنوب إفريقيا وزامبيا وزيمبابوي وأيضاً في إيران وتركيا وأجزاء من الصين» باختصار:
في معظم أنحاء العالم، يبدو أن وصول النهر الجوي قادر على تحديد مستوى الأنهار، ونسبة امتلاء الآبار بالمياه الجوفية، والرطوبة الموجودة في التربة أو سماكة الثلج..
وقد يقرّر تكرار حدوث الظاهرة في موقع معيّن تقريبًا، إن كانت السنة رطبة أو جافة فضلاً عن العديد من المعالم ذات العواقب الثقيلة على الصعيد الزراعي، والطاقوي، والأنظمة البيئية، والجغرافيا السياسية..
ويبدو أن وراء هذا الدور السيادي لهذه الظاهرة على المناخ تتخفى الوحشية المتطرفة لبعض الأنهار الجوية إذ إنها قنابل حقيقية مشبعة بالرطوبة الاستوائية وقادرة على التسبب بأسوأ الكوارث المناخية.

إجلاء 200 ألف شخص في كاليفورنيا

يقول هوميرو بالتان لوبيز: إن جميع الأبحاث الحالية تظهر أنها مسؤولة عن العديد من الأحداث المتطرفة من حيث الفيضانات والرياح والجفاف، بل ثمة دراسة أمريكية نشرت في فبراير/شباط 2017 تشير إلى أنه، خلال الفترة ما بين 1997-2014، تسببت الأنهار الجوية في 40 إلى 75٪ في تشكل العواصف الفيضانية والرياح العاتية التي ضربت المناطق الساحلية غير الاستوائية.
ويحذر بن جوان، مختص المناخ في وكالة ناسا من أنه في أجزاء كثيرة من العالم، يرتبط سجل هطول الأمطار بمرور نهر جوي وكذلك يرتبط ذلك أيضا بشدة العواصف الثلجية الأكثر تدميرا، وكما هو معتاد لا يزيد الاحتباس الحراري الأمر إلا سوءا، فوفقًا لأهم المبادئ الأساسية للديناميكا الحرارية، تؤدي الزيادة في درجة حرارة الجو درجة مئوية إلى زيادة الرطوبة بنسبة 7٪.
ويضيف بن جوان أن نماذج المناخ تشير إلى حدوث زيادة قدرها 50 ٪ في المتوسط في وتيرة ظهور الأنهار في الغلاف الجوي بحلول نهاية القرن، مع وجود تباينات إقليمية كبيرة. وتثير العديد من عمليات المحاكاة المخاوف من تكثف وتيرة هذه الأنهار الجوية ناهيك عن التغيرات المحتملة في مسارها نحو المناطق الضعيفة، التي يمكن أن تكون مشبعة أو محرومة فعلياً من المياه. هذه التهديدات بدأت تؤخذ على محمل الجد. وقد تم بالفعل دمج الأنهار الجوية ضمن تصنيف العواصف الشديدة في تقييم المناخ الوطني الأمريكي وذلك إلى جانب الأعاصير وعواصف الحمل الحراري والزوابع والعواصف الشتوية كما يشير مارتي رالف. ويجب القول إنه ابتداء من العام 2017، اضطرت السلطات في كاليفورنيا إلى إجلاء 200000 شخص لحمايتهم من خطر تعرضهم للموت المحتوم جراء انكسار سد اوروفيل الذي يتعرض لفيضانات شبه استوائية.

الخليج

إغلاق