أخبار
زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.. دراسة تحليلية لأبعادها الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية

بسام فهد ثنيان الغانم
تُعد زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى دولة الإمارات العربية المتحدة يوم الخميس 15 مايو 2025 واحدة من أبرز المحطات في مسار العلاقات بين البلدين خلال العقد الأخير.
جاءت هذه الزيارة في ظروف سياسية إقليمية ودولية تتسم بالتحولات المتسارعة، سواء على صعيد التنافس الجيوسياسي في الشرق الأوسط، أو في ظل تعاظم دور التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي في إعادة رسم العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية بين القوى الدولية والإقليمية.
تهدف هذه الدراسة إلى تحليل أبعاد هذه الزيارة من منظور ثلاثي يشمل الأبعاد الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، مع التركيز على طبيعة الاتفاقيات التي تم توقيعها، والرسائل السياسية التي حملتها الزيارة، وتأثيراتها المحتملة على مستقبل المنطقة.
أولاً: خلفية العلاقات الإماراتية-الأمريكية
تعود جذور العلاقات بين الولايات المتحدة والإمارات إلى سبعينيات القرن العشرين، حيث بدأت في إطار التعاون الاقتصادي والنفطي، قبل أن تتطور لاحقاً إلى شراكة استراتيجية تشمل مجالات الدفاع، والطاقة، والتعليم، والبحث العلمي، والتكنولوجيا.
وقد شهدت العلاقات خلال العقدين الأخيرين نمواً متسارعاً، خاصة بعد توقيع عدة اتفاقيات دفاعية وتجارية، وتزايد التعاون في مكافحة الإرهاب والتطرف، بالإضافة إلى تقاطع المواقف في عدد من الملفات الإقليمية، لاسيما فيما يتعلق بالملف الإيراني، والحرب في اليمن، وأمن الطاقة.
ثانياً: الأبعاد الدبلوماسية
1. تعزيز الشراكة الاستراتيجية
عكست مراسم الاستقبال الرسمية، بما في ذلك منح ترامب “وسام زايد”، أعلى وسام مدني في الإمارات، عمق العلاقات بين البلدين، ورغبة الطرفين في تعزيز التحالف الاستراتيجي في ظل التغيرات الإقليمية الراهنة.
2. الرسائل الإقليمية والدولية
حملت الزيارة رسائل واضحة إلى المجتمع الدولي، بأن الإمارات تسعى لترسيخ دورها كوسيط إقليمي قادر على التفاهم مع مختلف القوى، وأن الولايات المتحدة بقيادة ترامب ماضية في سياسة إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية، بعيداً عن الالتزامات التقليدية التي كانت تحكم علاقاتها بدول الخليج وإسرائيل.
3. مبادرات سياسية إنسانية
طرح ترامب خلال الزيارة مبادرة لتحويل غزة إلى “منطقة حرية”، في محاولة لتقديم الولايات المتحدة كقوة سلام في الشرق الأوسط، رغم أن هذه المبادرة وُوجهت بتساؤلات حول واقعيتها ومدى قبولها إقليمياً.
ثالثاً: الأبعاد الاقتصادية
1. صفقات استثمارية ضخمة
شهدت الزيارة توقيع اتفاقيات اقتصادية تُقدّر قيمتها بأكثر من 200 مليار دولار، شملت قطاعات الطاقة، الطيران، الذكاء الاصطناعي، والصناعات التكنولوجية المتقدمة، بما يعزز مكانة الإمارات كمركز إقليمي اقتصادي وتقني.
2. مشاريع الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية العملاقة
أُعلن خلال الزيارة عن تأسيس مجمع مراكز بيانات كبرى بقدرة تشغيلية تصل إلى 5 جيجاوات من الطاقة الكهربائية، بالتعاون بين شركات أمريكية رائدة ومؤسسات إماراتية كبرى من أبرزها شركة G42.
وتُعد هذه القدرة من الأضخم عالميًا، حيث تعادل استهلاك عدة محطات طاقة نووية متوسطة، وتفوق بكثير سعات مراكز البيانات التقليدية أو حتى مراكز الـ Hyperscale العالمية التي تتراوح عادة بين 50 إلى 100 ميجاوات.
ويُشير هذا الحجم إلى توجه الإمارات لبناء بنية تحتية رقمية عملاقة على مستوى دولي، تهدف إلى تمكين التطبيقات الحديثة للذكاء الاصطناعي، وتوفير بيئة مثالية لاستضافة ومعالجة البيانات الضخمة (Big Data)، بما يشمل خدمات الحوسبة السحابية، وتطبيقات التعلم الآلي، والابتكارات المرتبطة بالصناعات المستقبلية.
ويمثل هذا المشروع حجر أساس في مساعي الإمارات لتصبح مركزًا عالميًا للذكاء الاصطناعي والبيانات، وهو جزء من رؤيتها للتحول الرقمي الشامل وتأسيس اقتصاد المعرفة، الذي يعتمد على التقنية، والبيانات، والطاقة المستدامة.
كما يعزز هذا المشروع من قدرة الدولة على جذب الاستثمارات التقنية العالمية، وتأكيد موقعها كقوة صاعدة في الاقتصاد الرقمي.
3. التزامات استثمارية إماراتية في أمريكا
تعهدت الإمارات بضخ استثمارات تصل إلى 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة خلال السنوات العشر القادمة، وهو ما يُعد تأكيداً على عمق الثقة بين الطرفين.
رابعاً : الأبعاد العسكرية والأمنية
1. صفقات تسليح متقدمة
شهدت الزيارة توقيع صفقات تسليح جديدة بين الولايات المتحدة والإمارات بقيمة تقديرية بلغت 1.4 مليار دولار أمريكي.
وقد شملت هذه الصفقات تزويد القوات المسلحة الإماراتية بمروحيات النقل العسكري المتقدمة من طراز CH-47 Chinook، إلى جانب قطع غيار وأجهزة صيانة وتحديث لطائرات F-16، مما يسهم في تعزيز القدرات الجوية للإمارات وتوسيع نطاق عملياتها الدفاعية والإغاثية.
وتأتي هذه الصفقات استكمالاً لنهج الإمارات في تحديث منظومتها العسكرية، وتأكيداً على استمرار الاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية في تطوير القدرات الدفاعية الوطنية. كما تعكس حرص الولايات المتحدة على الحفاظ على علاقتها الأمنية المتميزة مع الإمارات، التي تُعد واحدة من الحلفاء الرئيسيين لواشنطن في منطقة الخليج العربي.
2. تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي
إلى جانب صفقات التسليح، ناقش الجانبان توسيع آفاق التعاون الأمني والاستخباراتي، مع التركيز على مواجهة التهديدات المشتركة، ومكافحة الإرهاب، والتنسيق في مجال الأمن السيبراني وحماية البنى التحتية الحيوية.
وتعتبر هذه الملفات ذات أولوية قصوى لدى الطرفين في ظل استمرار التحديات الأمنية الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بالأنشطة المزعزعة للاستقرار من قبل الميليشيات المدعومة من إيران، وتهديدات الفضاء السيبراني.
خامساً: النتائج والاستنتاجات
1. ترسيخ التحالف الاستراتيجي
أكدت الزيارة أن الإمارات والولايات المتحدة تتجهان نحو تعميق تحالفهما الاستراتيجي ليشمل كافة المجالات، بما يتجاوز العلاقات الاقتصادية والعسكرية التقليدية إلى شراكات في قطاعات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والطاقة الجديدة.
2. إعادة تموضع الدور الأمريكي في الخليج
عكست الزيارة توجه إدارة ترامب نحو إعادة تموضع الدور الأمريكي في منطقة الخليج، من خلال التركيز على التعاون الاقتصادي والأمني المباشر مع الحلفاء الرئيسيين مثل الإمارات، دون الدخول في التزامات عسكرية شاملة كما كان في العقود السابقة.
3. تعزيز مكانة الإمارات كقوة إقليمية
أكدت نتائج الزيارة رغبة الإمارات في تكريس مكانتها كقوة إقليمية صاعدة، ليس فقط من خلال قدراتها الاقتصادية والعسكرية، بل من خلال تبنيها لمشاريع طموحة في مجالات الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي، مما يضعها في مصاف الدول الرائدة في هذه المجالات.
4. تحفظات على بعض المبادرات الدبلوماسية
رغم الزخم الإعلامي الذي رافق مبادرات ترامب خلال الزيارة، خاصة فيما يتعلق بإعادة إعمار غزة وتحويلها إلى منطقة حرية، إلا أن هذه المبادرات وُوجهت بتساؤلات من قبل أطراف دولية وإقليمية حول واقعيتها ومدى قابلية تطبيقها في ظل التعقيدات السياسية والجيوسياسية القائمة، وتعنت نتنياهو والذي يبدو أنه بحسب المراقبين يريد الحرب في غزة مشتعلة دائما ولاتتوقف.
أخيرا..
زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى دولة الإمارات العربية المتحدة محطة فارقة في مسار العلاقات الثنائية بين البلدين، فالاتفاقيات النوعية التي تم توقيعها تعكس انتقال هذه العلاقة إلى مستويات أعلى من الشراكة الاستراتيجية الشاملة.
وقد أظهرت الزيارة أن الإمارات تتبنى نهجًا متقدمًا يقوم على تعزيز تحالفاتها مع القوى الكبرى، وبناء شراكات متعددة الأبعاد تمتد إلى مجالات الاقتصاد والذكاء الاصطناعي والدفاع والأمن.
وفي ضوء ذلك يبدو أن المرحلة المقبلة ستتطلب من الإمارات مواصلة العمل على تفعيل وتنفيذ هذه الاتفاقيات بما يحقق أقصى استفادة ممكنة، مع التركيز على ترسيخ دورها كفاعل إقليمي رئيسي يسهم في استقرار المنطقة من خلال مبادرات مدروسة وواقعية تراعي تعقيدات البيئة الإقليمية والدولية.
كما يتطلب الواقع المتغير أن تواصل الدولة تطوير قدراتها الذاتية في المجالات الدفاعية والأمن السيبراني، بالتوازي مع تعزيز التعاون مع الحلفاء الاستراتيجيين، بما يضمن لها حماية مصالحها الوطنية وتعزيز مكانتها الدولية.
إن الاستثمار في توطين التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي يظل خيارًا استراتيجيًا لا غنى عنه، يُمكّن الإمارات من أن تتبوأ موقعًا متقدمًا في الاقتصاد الرقمي العالمي، ويسهم في بناء اقتصاد معرفي تنافسي يرسّخ دور الدولة كقوة صاعدة ذات تأثير يتجاوز حدود الإقليم.